التسويق المبني على البيانات

تواجه المنظمات غير الربحية العديد من التحديات في جلب انتباه الداعمين والمانحين لها، وازداد أثر هذه العقبات مع ازدياد أعداد المنظمات غير الربحية ونمو التنافس بينها في جلب انتباه الجمهور، علاوة على المنافسة التي تجدها من المنظمات الربحية.

علاوة على ذلك، فإن التوسع في التسويق الرقمي يحتم على المنظمات غير الربحية أن تتبنى أحدث التقنيات وأفضل الممارسات للوصول إلى جمهورها المستهدف بشكل فعال. ويشكل إرهاق المانحين تحديًا آخر، حيث يتعرض المانحون لوابل من عروض تقديم المنح والتبرعات والمساهمات مما قد يجعلهم أقل احتمالاً للتفاعل أو تبني قضايا المنظمة بصورة عملية.

ومع ذلك، فإن العصر الرقمي يجلب معه أيضًا فرصًا ذهبية، حيث يمثل التسويق المبني على البيانات data driven marketing منارة أمل للمنظمات غير الربحية، ومن خلال تسخير قوة البيانات الكبيرة Big data، يمكن للمنظمات غير الربحية اكتساب فهم أعمق للجهات المانحة والداعمين لها، وتطوير حملات تسويقية أدق استهدافًا وأعظم أثرًا، بالإضافة إلى تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة، وتوسيع نطاق انتشار تأثير المنظمة محليًا وعالميًا.

الفرق بين ممارسات التسويق التقليدي والحديث

اعتمدت المنظمات غير الربحية قديمًا على الرسائل واسعة النطاق والتواصل العام عبر الحملات الدعائية والفعاليات التقليدية المفتوحة للعامة والتي تستهدف عموم الناس. ولكن الطفرة التي حدثت عقب ظهور التسويق القائم على البيانات كفلت العديد من المزايا، أهمها الاستهداف الدقيق للشرائح المحتملة بصورة أكثر تخصيصًا segmented وشخصية personalized، فبعض المنظمات غير الربحية كالصليب الأحمر الأمريكي تستخدم الآن البيانات لتخصيص دعوات جمع التبرعات، مما يضمن وصول الرسالة التسويقية الصحيحة إلى الجهة المانحة المناسبة والأشخاص المناسبين بصورة ألية وفي أفضل الأوقات وبحسب توجهات كل شخص كل على حدة على مدار الساعة، وهو الأمر الذي كان من ضروب الخيال في الماضي. 

وتشمل الاتجاهات الناشئة في القطاع غير الربحي استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي لتحسين استراتيجيات التسويق وقياس مؤشرات الأداء التسويقي، والاستماع الاجتماعي Social listening لقياس مشاعر وردود أفعال الجمهور المستهدف، كما تستخدم التحليلات التنبؤية Predictive analytics  للتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية لسلوكيات المانحين.

ضرورة التسويق المبني على البيانات للمنظمات غير الربحية

لم يعد التسويق المبني على البيانات ترفًا يمكن الاستغناء عنه، بل أصبح ضرورة حتمية بالنسبة للمنظمات غير الربحية لبعض الفوائد التي سنستعرضها باختصار:

زيادة جمع التبرعات

مثلًا يستخدم الصليب الأحمر الأمريكي البيانات لتخصيص نداءاته لجمع التبرعات عن طريق تقسيم قاعدة المانحين وإرسال رسائل مختلفًة إلى المتبرعين الذين تبرعوا مؤخرًا لحملة إغاثة في حالات الكوارث عن المتبرعين الذين تبرعوا لدعم علاج المرضى من الأوبئة في البلاد الفقيرة. كما يستخدم الصليب الأحمر أيضًا البيانات لتخصيص نداءاته من خلال تضمين اسم المتبرع الأول والمعلومات الأخرى ذات الصلة.

وقد نجح هذا النهج في مساعدة الصليب الأحمر على زيادة إيراداته من جمع التبرعات. على سبيل المثال، في عام 2018، جمع الصليب الأحمر 1.2 مليار دولار، وهو أعلى إجمالي لجمع التبرعات منذ أكثر من عقد من الزمن.

تعزيز مشاركة الجهات المانحة

من خلال البيانات، يمكن للمنظمات غير الربحية تتبع مشاركة الجهات المانحة ومشاركة البيانات الجمعية Aggregated data لعدد المستفيدين وقياس كيف أحدثت هذه المشاركات والمنح فارقًا لدى الشرائح الممنوحة، مما يضمن الحفاظ على علاقات قوية تحكمها الشفافية مع الجهات المانحة؛ بما يعمق مزيدًا من الارتباط والالتفاف حول القضية.

تحسين فعالية برنامج المنظمة

تستخدم منظمة “اليونيسف” البيانات لتتبع عدد الأطفال الذين تصل إليهم برامجها، وما هي التغييرات التي تحدث في حياتهم، ومدى تكلفتها.

وقد ساعدت هذه البيانات المنظمة على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن برامجها وتخصيص مواردها بشكل فعال. حيث استخدمت البيانات لتحديد ما إذا كان سيتم دعم برنامج ناجح ما أو إعادة توجيه الموارد إلى برنامج خيري أقل فعالية. وفيما يلي بعض الأمثلة: 

• تتبع عدد الأطفال الذين تلقوا تطعيمات ضد الأمراض الخطيرة، مثل الحصبة وشلل الأطفال. تساعد هذه البيانات المنظمة على تقييم فعالية برامجها للتطعيم وتحديد المناطق التي تحتاج إلى مزيد من الموارد.
• تتبع عدد الأطفال الذين يحصلون على التعليم الابتدائي وهو ما يساعد المنظمة على تقييم فعالية برامجها التعليمية وتحديد المناطق التي تحتاج إلى مزيد من الدعم.
• تتبع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والذي يمكن المنظمة من تقييم فعالية برامجها للتغذية وتحديد المناطق التي تحتاج إلى مزيد من المواد الغذائية وموظفي الإغاثة.

توسيع نطاقات الاستهداف

تسمح البيانات للمنظمات غير الربحية بتحديد المجتمعات والتركيبات السكانية الجديدة لخدمتها، مما يضمن وصول رسالتها إلى جمهور ذو شرائح أوسع ومناطق جغرافية جديدة، وذلك عبر عمل نماذج استهداف مبنية على التوزيعات الديموغرافية  التفصيلية واستخلاص شرائح مخصصة تختلف فيما بينها في الاحتياج بما يضمن أفضل نتائج لأنشطة المنظمة.

أبرز التحديات في استخدام التسويق المبني على البيانات

رغم أن إمكانات التسويق المبني على البيانات هائلة، إلا أن المنظمات غير الربحية تواجه تحديات وصعوبات ملحوظة في استخدامه تتلخص في:

1. التحديات الفنية: قد تكون الحاجة إلى التكنولوجيا الجديدة والتدريب على استخدامها أمرًا شاقًا بالنسبة للعديد من المنظمات غير الربحية.
2. ضعف الميزانية: قد يكون تنفيذ الاستراتيجيات المستندة إلى البيانات مكلفًا، خاصة بالنسبة المنظمات الصغيرة.
3. مخاوف انتهاكات الخصوصية: مع تزايد المخاوف بشأن خصوصية البيانات، يجب على المنظمات غير الربحية التأكد من أنها تتعامل مع البيانات بطريقة أخلاقية ومسؤولة.

ومع ذلك، يمكن التحكم في هذه التحديات. من خلال البدء بصورة صغيرة والتوسع مع الوقت بالشراكة مع خبراء البيانات، واستخدام الحلول المستندة إلى الحوسبة السحابية، وهو ما يمكن المنظمات غير الربحية من الاستفادة بشكل فعال من قوة التسويق الرقمي و خدمات التسويق الرقمية الحديثة المبنية على البيانات.

كما ويمكن أن تستعين المنظمات ببعض الحلول المجانية أو مزودي الخدمات المدفوعة.  فيما يلي بعض الموارد والأدوات المفيدة:

1. Google Analytics: وهي أداة مجانية لتتبع حركة المرور على موقع الويب وتفاعل المستخدمين وتستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق. 
2. facebook insights: وهي أداة تتبع تفاعل وارتباط المتابعين وأداء وسائل التواصل الاجتماعي، كما تشمل نشر تقارير دورية عن التغيرات المجتمعية في العالم والحركات الثقافية والتأثيرات الاقتصادية
3. Mailchimp: منصة للتسويق عبر البريد الإلكتروني وهي من أدوات التسويق الرقمي للفئات المستهدفة ويعمل بناءًا على البيانات الضخمة في تحديد وتحليل أكثر الرسائل تفاعلًا وتخصيصًا بجانب اختيار أفضل الأوقات للمتلقي لتلقي الرسالة التسويقية المناسبة من المنظمة. 
4. DonorPerfect: منصة لتتبع تاريخ تبرعات المانحين والتفضيلات الخاصة بهم ومدى ارتباطهم بقضية المنظمة.
5. Nonprofit Tech for Good: مركز موارد يوفر معلومات وأدوات حول موضوعات مختلفة، بما في ذلك التسويق المبني على البيانات.

مستقبل المنظمات غير الربحية والتسويق المبني على البيانات

مع استمرار تطور التكنولوجيا، ستتمكن المنظمات غير الربحية من الوصول إلى المزيد والمزيد من البيانات، والتي يمكنها استخدامها لتحسين جهودها التسويقية والخدمية. 

وأحد الاتجاهات التي ستصبح أكثر أهمية في المستقبل القريب استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي. حيث يمكن للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أتمتة مهام تحليل البيانات وإنشاء الحملات التسويقية. وهذا يمكن المنظمات غير الربحية من التركيز على المهام الأساسية الأخرى، مثل بناء العلاقات مع الجهات المانحة والمتطوعين.

الإتجاه الآخر الذي من المرجح أن يصبح أكثر أهمية في المستقبل هو الاستماع الاجتماعي، وهو مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بحثًا عن إشارات لدعم المنظمة أو قضيتها المجتمعية، ويمكن استخدام هذه المعلومات لفهم ما يقوله الأشخاص عن منظمتك وتحديد فرص جديدة للتواصل مع الداعمين المحتملين والذي يتطلب أيضًا تضمين تكنولوجيا البيانات وتحليلها مع جهود التسويق للشرائح الأكثر تفاعلًا مع قضية المنظمة واستهداف المزيد من المنظمات التي قد يجلب التعاون معها دعما للجهد غير الربحي في خدمة قطاعات جديدة.

كيف يمكن للمنظمات غير الربحية استخدام الاستماع الاجتماعي لتحسين تسويقها؟

يمكن للمنظمات غير الربحية استخدام الاستماع الاجتماعي لتحسين تسويقها بعدة طرق. على سبيل المثال، يمكن استخدام الاستماع الاجتماعي من أجل:

• تحديد الاتجاهات والقضايا الناشئة في قطاعك.
• فهم ما يقوله الناس عن منظمتك وقضيتها.
• تحديد الداعمين والمؤثرين المحتملين.
• تطوير الرسائل والمحتوى المستهدف.
• مراقبة أداء الحملات التسويقية.

كما يعد تحديد المانحين المحتملين أحد الأمثلة على كيفية استخدام المنظمات غير الربحية للاستماع الاجتماعي لتحسين نشر رسالتها وتسويقها. على سبيل المثال، يمكن لمنظمة غير ربحية استخدام الاستماع الاجتماعي لتحديد الأشخاص الذين عبروا مؤخرًا عن اهتمامهم بالتبرع لسبب معين. وذلك بالتواصل مع هؤلاء الأشخاص برسالة شخصية حول كيفية مشاركتهم وكل ذلك بصورة آلية وذكية.

التحليلات التنبؤية واستخداماتها في المنظمات غير الربحية

التحليلات التنبؤية هي نوع من تحليل البيانات الذي يستخدم البيانات التاريخية للتنبؤ بالنتائج المستقبلية. يمكن للمنظمات غير الربحية استخدام التحليلات التنبؤية لتحسين جمع التبرعات بعدة طرق، مثل:

• تحديد الجهات المانحة الأكثر احتمالية للتبرع.
• الإشارة إلى المبلغ المالي الذي من المتوقع التبرع به.
• تحديد أفضل وقت لطلب التبرع من المتبرع.
• تطوير دعوات جمع التبرعات الشخصية.

على سبيل المثال، يمكن لمنظمة غير ربحية استخدام التحليلات التنبؤية للتعرف على المانحين الذين لديهم تاريخ في التبرع لمنظمات مماثلة أو التبرع مؤخرًا لقضية ذات صلة وهو ما يمكن المنظمة غير الربحية بعد ذلك من تركيز جهود جمع التبرعات على هؤلاء المانحين.

تقف المنظمات غير الربحية في العصر الرقمي، بما يحمله من تحديات وفرص عند منعطف تاريخي يوفر فيه التسويق المبني على البيانات – بفوائده التي لا تعد ولا تحصى – طريقًا مشرقًا للمنظمات. ومن خلال تخصيص التبرعات وتتبع المانحين، وتحسين تخصيص الأموال، وإنشاء حملات مؤثرة، يمكن للمنظمات غير الربحية تسخير قوة البيانات لإحداث تغيير في الواقع لم يكن ليتحقق بدون هذه الأدوات.

مصادر

• 1
• 2
• 3
• 4

تم كتابة هذا المقال بالشراكة مع منصة المدرسة لتعليم البرمجة بالعربية